الأسرة
إنّ الأسرة تمثل حاجة فطرية للإنسان، فقد خُلِق الإنسان وفق تكوينه النفسي بحيث إنّه لا يجد غنى عن أن يعيش في ضمن أسرة في مختلف مراحله العمرية، فهو أصلاً يولد باجتماع أسري – من الأبوين -، ويحتاج إلى الرعاية والحضانة حتى يصل مرحلة يمكن أن يكوّن بنفسه أسرة فتنمو فيه الحاجة إلى تكوين أسرة لنفسه بعد أن كان جزءاً من أسرة كوّنها والداه، ليكتمل مع آخر، ويشكلا معاً أسرة معنيّة بالتكافل والتآزر لإعداد جيلٍ آخر.
وتمثّل الأسرة البنية الأساس التي تؤثر على شخصية الإنسان وتُنمّي فيه العناصر الإيجابية والمؤهلات الصالحة والنافعة، وتصونه عن تولد الأمور السلبية ونموها في شخصيته وتُبعِد العوامل المسببة لذلك عنه، ولذلك فإنّ سلامة البيئة الأسرية حسب السنن الاجتماعية والنفسية هي الأساس الأوّل لسلامة الفرد طفلاً وشاباً وشيخاً.
ولكل فرد من الأسرة دور ملائم له في جهة نجاحها وصلاحها وتخطي العقبات والمشاكل التي تطرأ عليها، فللأب دوره في الإشراف والرعاية والإنفاق، وللأم دورها في التوليد والاحتضان والتربية، وللأولاد أدوارهم في الاستجابة الراشدة والعمل السليم والإعانة الملائمة، فإذا أخل بعض أفراد الأسرة بمسؤوليته، ولم يملأ الفراغ الذي ينبغي أن يملأه، أو سعى أن يؤدي الدور الملائم لغيره، حدث الخلل في الأسرة وتضرّر جميع أفرادها بذلك، ولذلك فإنّ على أفراد الأسرة أن يَعُوا بصدقٍ وبعمق تفاوت المسؤوليات والأدوار وتكاملها، ولا يثيرهم التنافس السلبي على تمني أداء أدوار مخصصة لغيرهم فيؤدي إلى اختلال التوازن وحدوث الفراغ وتصادم الأفراد في داخل الأسرة وحدوث المشاكل فيها.
لقد خلق الله سبحانه الإنسان ليعيش في ضمن أسرة، يتكامل من خلالها مع إنسان آخر، ليتعاونا في الإيفاء بمصالحها الإنسانية، ويكون بعضهم عوناً لبعض في طريق الاستقامة والسلوك الصحيح ، ويُنشآن معاً جيلاً جديداً يهتموا بحضانته وتربيته وتعليمه وصلاحه.
فالإنسان في ضمن الأسرة من جهةٍ يرتبط صلاحه بصلاح تلك الأسرة وسعادتها واستقامتها وراحتها، كما أنّه من جهةٍ إيمانية وأخلاقية يتحمّل مسؤولية تجاهها لأجل أن يتصف بالمعاني الملائمة والخصال اللائقة والسعادة المتاحة.
وبذلك يصحّ القول إنّ المرء إذا عاش في ضمن أسرة فإنّ صلاح دنياه ودينه جميعاً في أن يهتم بأن يتحرّك في جهة ضمان راحة هذه الأسرة وسعادتها واستقامتها، وإنّ مَن قصّر في ذلك وفرّط فيه فإنّه سوف يجني بذلك على نفسه في دنياه؛ لأنّه يفرّط في الحقيقة – وفق النظرة العميقة والبعيدة والجامعة للأمور – بصلاحه وسعادته ولو كان من حيث لا يحتسب، كما أنّه يخل بمسؤوليته التي سوف يسأله الله سبحانه يوم القيامة عنها.
إنّ صلاح الفرد واستقامته في ضمن الأسرة حقاً هو منوط بصلاحها واستقامتها، ومن الخطأ الفظيع أن يبحث الإنسان في ضمن الأسرة عن مصلحته الخاصة حسب ما يتراءى له، فيكون الزوج معنياً بلهوه ولعبه وملاذه الفردية وأصدقائه خارج أسرته، لتكون حياته الأسرية في هامش اهتماماته، أو تعيش الزوجة معنية بلهوها ومواصلاتها ورغباتها وصداقاتها بعيداً عن مركزية الأسرة في اهتماماتها. وكذلك يعيش الأولاد كل منهم لحاله غير مكترث بالوالدين أو الأخوة والأخوات.
إنّ المصلحة التي تتراءى للفرد في تهميش حياته الأسرية والانشغال برغباته الشخصية من دونها هذه المصلحة سراب ووهم سوف ينقشع عنه بعد أن تتفكك الأسرة داخلياً – حتى وإن بقيت مرتبطة مكانياً وعاشت تحت سقف واحد – وبعد أن يستنفذ الفرد قواه وعلاقاته خارجها، ليجد غربة وتفككاً في سكنه ومأواه الذي كان عليه أن يهتم به ويقوي أوتاده وقواعده.
فلا صلاح للإنسان بعد تكوين الأسرة إلا في صلاح الأسرة وتماسكها. فعلى كل واحد من أفراد الأسرة أن يهتم بصلاح جميع من فيها ناصحاً لهم مهتماً بهم مراعياً لتكوين بيئة ملائمة من حيث السعادة والتربية والتثقيف والأخلاق والإيمان حتى يسعد الجميع بما تسمح به مقادير هذه الحياة، ويعيشوا على قلب واحد.
وإنّ الإنسان ليجد حافزاً إلى الاهتمام بالأسرة من خلال الإيمان بالله سبحانه وبالدين حيث تؤكد النصوص القرآنية والأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته (عليهم السلام) على أهمية هذا الأمر عند الله سبحانه وفي بركته للإنسان في هذه الحياة وما بعدها.
اية الله السيد محمد باقر السيستاني
اترك تعليقاً